الأحد، يوليو 06، 2008

الأسباب المعينة على زيادة الإيمان في ظل الفتن الموجودة

الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

السؤال: كيف يمكننا أن نرتقي بدرجة إيماننا مع كثرة المغريات الدنيوية التي تبعدنا عن كمال الإيمان؟

الجواب: المؤمن لا تزيده الإغراءات أو المغريات إلا إيماناً ويقيناً، فحسب المؤمن أن يقرأ قول الله تبارك وتعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].
وحسب المؤمن أن يتأمل ما قاله أبو الدرداء لما قال: [[يا أهل دمشق ! لم تبنون ما لا تسكنون؟ ولم تجمعون ما لا تنفقون؟! ألم تسمعوا أنه قد بلغنا أن عاداً قد بنت لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فمن منكم يشتري مني تركة آل عادٍ بدرهمين ]] فهو يقول: من يشتري تركة آل عاد بدرهمين، فأين هي عاد وثمود؟
وأين ما بنوا؟ وأين ما شادوا؟ وأين ما فعلت الحضارات القديمة؟
وهي حضارات هائلة، ويقول بعض المحللين: إنه وجدت حضارات بلغت في بعض الجوانب أكثر مما بلغته الحضارة المعاصرة، ثم هذه الحضارة أيضاً كلها يوماً من الأيام تكون صعيداً جرزاً وقاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، بقصورها وبتجارتها وبمدنها العامرة، وبكل ما هو من زينة الحياة الدنيا.
إذاً هل يغر المؤمن أن يرى هذه المظاهر؟ لا شك أنها سحارة كما قال بعض السلف : 'اتقوا الدنيا فإنها سحارة، تسحر الإنسان، وكثير من الناس إنما يطغيه المال' كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].
فهذا الإنسان كان في حال فقره منيباً مقبلاً على الله فلما أغناه الله من فضله انحرف وانجرف، نسأل الله العافية.
ولكن ليس هذا هو الأصل بل إن المسلم هو الذي ينظر إلى هذه الحياة الدنيا محتقراً ومزدرياً لها مهما تمتع.
فالمؤمن يتمتع: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] ولكن نجعلها في أيدينا، أما في قلوبنا فنعلم حقارتها وضآلتها وتفاهتها بمقارنتها بالآخرة، فموضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وركعتا الفجر -وليست الفريضة بل النافلة- خير من الدنيا وما فيها، يا سبحان الله!
إذاً لا نسبة, فلا تعدل الدنيا عند الله جناح بعوضة: { ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء }.
فالدنيا في كل هذه الآيات أو الأحاديث هي ما تجرد عن الإيمان بالله، أما بالإيمان بالله تبارك وتعالى بوجود المال الصالح بيد العبد الصالح مع الإحسان للفقراء، مع أن تكون الدنيا في اليد لا في القلب، فمهما كثرت فهي خير من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى الإنسان أن يأخذها من حلها، وأن ينفقها في حلها.
ومقويات الإيمان كثيرة منها: التفكر في النفس الآفاق.
ومنها التفكير في حال الموتى والمقبورين، وحال من قصّ الله علينا قصصهم في القرآن الكريم من الأمم والحضارات التي فنيت.
ومنها الاعتبار بمصائر الذين أطاعوا الله واتقوه والذين عصوه وخالفوا أمره، والاعتبار بحال هؤلاء وحال هؤلاء.
وأن أولئك عاشوا ما عاشوا ثم انتقلوا إلى رحمة من الله ورضوان.
وأن أولئك عاشوا ما عاشوا ثم انتقلوا إلى عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مقته وغضبه، نسأل الله العفو والعافية.
وهكذا حال المؤمن وديدنه فهو يتأمل في حركة الليل والنهار، التي يغفل عنها كثيرٌ من الناس، والله تبارك وتعالى يقول: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:61-62] فيزداد إيمانه بنظره في ملكوت السماوات والأرض ويقول: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران:191].
ويتأمل في هذا الوجود العظيم، وكيف أنه ما من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا نفقه تسبيحهم!
ونتعجب فيما ذرأ الله عز وجل، وما جعل للناس في أحوالهم وفي معايشهم من اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وفي كل ما ذكره الله من هذه الآيات والعبر.

ولذلك من أعظم ما يقوي الإيمان ويبعث على التفكر، أن نقرأ القرآن ونتأمله، وأن نقرأ العبر والمواعظ النبوية من كتب السنة الصحيحة، وأن نسمع حلق الذكر ونحضرها ونحرص عليها، كل هذا -إن شاء الله- مما يعيننا على تقوية الإيمان.