السبت، فبراير 20، 2010

تحديات الكبار



إننا في هذه الحياة نظل نواجه نوعين من التحديات : تحديات داخلية وتحديات خارجية ، وقد مضت سنة الله ـ تعالى ـ بأن تكون التحديات الداخلية هي الأشد تأثيراً والأصعب مواجهة ،

ولهذا فإن من الممكن أن نقول : إن الأفراد والأسر والشركات والأمم العظيمة والقوية تكون معاركها الأساسية ليست مع الخصوم والمنافسين والظروف العالمية .. وإنما مع النفوس والأهواء والمكوِّنات الداخلية ، ولهذا يمكن القول :إن التحديات التي تواجه الصغار هي تحديات خارجية في المقام الأول ، أما الكبار فإن التحديات الداخلية هي أخطر ما يواجههم . إن الآخرين مهما اشتدت عداوتهم لا يملكون الأدوات التي تمكِّنهم من اختراق البنى الداخلية المحصَّنة تحصيناً جيداً ، وعلى سبيل المثال : فإن توقف الحضارة الإسلامية عن العطاء لم يكن بسبب ضغوط الخارج ولكن بسبب التحلل الداخلي وخمود جذوة الروح وتفكك النظم، وحين تكون العلاقة بين الزوجين ممتازة فإنهما يستطيعان مواجهة كل الظروف الصعبة يداً بيد ولاسيما تدخلات الأهل ، وحين تكون العلاقة فاترة ، فإنها تسمح للآخرين أن يعبثوا بمستقبل الأسرة كيف شاؤوا ..
أما على الصعيد الفردي فإن كثيرين منا قد أدمنوا المطالبة بالإصلاح والتغيير ، وهم ماهرون جداً بتعداد سلبيات الآخرين ، وأشكال قصورهم لكنهم يرفضون مطالبة أنفسهم بالتغيير ويرفضون الاعتراف بأخطائهم وتحمل مسؤولياتهم نحو أشكال التدهور الذي تعاني منه الأمة ، والنتيجة هي : الجميع يشكون ويطالبون غيرهم بالإصلاح مع أن الفساد الذي يعانون منه لم يأت من الخارج ، وإنما أتى من ذلك التراكم الهائل من الأخطاء والخطايا التي اقترفتها أيديهم ، وهذا يذكِّرنا بذلك الشيخ الذي سُرِق حذاؤه في المسجد فتعاطف طلابه معه ، وأظهروا تأثراً بالغاً لما حدث ، فقال لهم : حين وضعت حذائي في مؤخرة المسجد لم يكن فيه إلا أنا وأنتم فإذا كنتم جميعاً غاضبين ومتألمين لما حدث ، فمن سرق إذن الحذاء
إن معركتنا الأساسية لم تكن ولن تكون مع قوى الاستكبار العالمي في الشرق أو الغرب ، وإنما ستظل دائماً مع جهلنا وأهوائنا وشهواتنا وطموحاتنا غير المشروعة ومع البغي والظلم الداخلي الذي نمارسه فيما بيننا ، وحين نحقق نصراً واضحاً، فإن النصر سيكون مضموناً بحول الله وطوله على كل القوى المعادية والمتآمرة ، وصدق العزيز الرحيم إذ يقول : (( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ))
فهل نحاول اختصار الطريق بالتخلص من محاربة الأوهام والأشباح لنوجه كل طاقاتنا للعمل المثمر البناء ولمقاومة أسباب التحلل والانطفاء الداخلي؟

محبكم د.عبد الكريم بكار

الاثنين، فبراير 08، 2010

الانتماء هو المصلحة ومن يكسب من؟



لماذا يبحث بعض ابنائنا عن إشباع حاجاتهم خارج المنزل في وقت مبكر من حياتهم ؟. ذلك، لأن هناك بيوتا قد أهملت إشباع تلك الحاجات. ففروا منها إلى من يشبع حاجاتهم.. إننا في هذه الدنيا في حالة صراع، نعم هو صراع انتماءات، من يكسب من؟
بل أن هناك أكثر من ذلك. فالدول حين تضعف أنظمتها، ويكثر فيها المخالفات للأصول، وتختل فيها المعايير، ولا ترعى القيم. سيبدأ الناس باللجوء إلى ولاءاتهم الضمنية. من عوائل وقبائل وطوائف. وستحل الواسطة والمحسوبية محل النظام، وسيغدو الذي وراءه جماعة قوية مقدما على غيره في القبول الأكاديمي، والوظيفة، والمنافع الأخرى. في هذه الحالة سيتضح لكل ذي لب أن الانتماء الضمني مفيد ومشبع للحاجات. فيبدأ الولاء يتسرب من الدولة إلى القبيلة والعائلة والطائفة وعداها من الانتماءات التي ثبت نفعها. أما في الدولة القوية في نظمها فتجد الناس جميعا بشتى قبائلهم وفئاتهم ونقاباتهم ينتمون إلى الدولة. ذلك لأن الدولة هي السلطة السائدة، وهي المغذي الرئيسي لحاجات الناس.
إذن إذا أردت أن تبحث عن الانتماء، فتش دائما عن المصلحة، وهذا التعريف أجهر به في كل مكان، الانتماء هو المصلحة.
د.إبراهيم الخليفي

الأربعاء، فبراير 03، 2010

حفظ الله لأوليائه



إذا افتقرت إلى الله أغناك عن الناس وكنت عزيزاً عندهم؛ لأن علاقتك قوية بملك الملوك الحي القيوم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، والذي لا تنضب خزائنه، والذي يفعل ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء، ويحيي من يشاء، ويميت من يشاء، ويضحك من يشاء، ويبكي من يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكل شيء بيده.
وبقدر قربك منه تكون هذه الأمور كلها ميسرة لك، ويقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: {
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنه } الله أكبر! كل هذا بسبب التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض!
والمهاجرين والأنصار يوم
بدر وقفوا ذلك الموقف، قال عليه الصلاة والسلام: {وما أدراك يا عمر ! لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم }.
وقفوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا الموقف، فكانت هذه هي المكرمة من الله، وهكذا فإن كل من يقف مع الله فإن الله يكرمه ويحفظه، وحب الله له يكون بقدر قربه من الله، وكلما كان هذا القرب محفوفاً بالمخاطر والمضار -والنفس لا تريد ذلك- بقدر ما يكون هذا القرب من الله عز وجل، وإذا علمت أن كل هؤلاء الذين يعادونك ويحاربونك، ويحاولون أن يثنونك عن القرب من الله والسير إليه، إذا علمت أنهم جميعاً خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم عبيد له؛ هانت عليك المضار، والمهم في ذلك أن تعمل لله وعلى منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما ما عدا ذلك فهو المتكفل به، قال تعالى:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].
فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ كانت كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم بعد ذلك:
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174] الله أكبر! وقال في آية الأحزاب: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25] وعندما يرى المسلم هذه الأمور، ويرى هذه اللفتات، فيزداد إيماناً، وتسليماً، ويقيناً، ويعلم أنه لا بد منها في إيمانه.

لا تتوقف عنه




يقول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] فيجب علينا أن نستجيب لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن ندعو الله ونتضرع إليه، كما قال الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُني آدم حين يُسأل يغضب
فهكذا حال الناس، فأكرم الناس في الأرض حتى لو كان أباك ولو كان أصلح الناس؛ لأنه لو طلبت منه شيء فقد يرفض ذلك، وهذا طبيعي، حتى الأم، ومعلوم أنه ليس هناك أحد أشفق على أحد مثل شفقة الأم على ولدها وعلى رضيعها، ولذلك ضرب بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المثل عندما رآها وهي تحتضن طفلها، فقال: {أرأيتم هذه المرأة أكانت واضعة طفلها في النار؟! قالوا: لا! فقال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بوليدها!! } إذاً فالله أكرم كريم عز وجل، وهو الكريم الذي يده ممدودة بالعطاء: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64].
حتى أعداؤه شملهم عطاؤه، قال تعالى: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] ماذا لو كان عطاء الله خاصاً بالمؤمنين! فمن يرزق الكافرين؟! ومن يرزق المنافقين؟! لا أحد! فالرازق هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].