الثلاثاء، مايو 12، 2015

نعمة الذوق

"نعمة الذوق"

بقلم ..د.أميرة علي الزهراني

    نعمة «الذوق» من النعم العظمى التي ما كنّا سنحمد الله عليها ونستشعر فضلها لولا وجود قليل الأدب والذوق..

وكما أن الله قد يبتلينا بالمرض والفقر والفقد والهم، قد يبتلينا كذلك، بغياب الذوق. وهو بلاء أشد وأعظم. لأن الأولى لا حيلة لنا فيها، أقدار مكتوبة نسلّم بها عن رضى وصبر، بينما انحدار الأخلاق وسوء الطباع من صنع أيدينا ومحض رغبتنا وشر نفوسنا التي لم نحسن تهذيبها!!

ما زلت حتى هذه اللحظة غير قادرة على نسيان الحرج والألم اللذين أحدثتهما موظفة القبول والتسجيل حين أتيت وروحي تلهث في ظهيرة آخر يوم من المدة المحددة للتسجيل لمرحلة البكالوريوس.. وبعد أن حملقت الموظفة في وجهي وملامحي المحتقنة علّقت بازدراء وسخرية أمام الطالبات المستجدات والموظفات في البهو الكبير.. «تو الناس!.. متى صحيتِ من النوم يا شاطرة»؟! لم يطرأ ببالها الساذج أن الاحتقان قد يكون لسبب آخر غير الاستغراق في النوم! كنتُ قبل أن آتي للتسجيل بأيام قد فقدت أبي.. بكيت لفقده كما لم أبك من قبل!!

وذات يوم، في حفل زواج بهيج وبعد انتهاء الأمسية سألتني امرأة: « أنتِ متزوجة»؟! أجبت «لا». (لم أكن حينها متزوجة وخمنت أنها تريد خطبتي). بعد حملقة فاحصة، سألت: «وش تحترين؟!» أجبت: السائق. صرخت بعصبية: أقول وش تحترين إلى الآن ما تزوجتِ!!

كتب شاب في مدونته: عندما تخرجت بذلت أقصى ما أستطيع من أجل الحصول على وظيفة حتى لو كانت في غير تخصصي، وذات يوم، وفي غمرة شعوري بالكآبة والضيق من حالي، وافقت على الذهاب مع أبي لإحدى المناسبات من باب التغيير والترفيه والهروب من التفكير في أزمتي. وفيما المجلس يغص بالرجال بادرني أحدهم: طالب وإلا موظَّف؟ أجبت: تخرجت حديثاً ومازلت أبحث عن عمل. علَّق بأسلوب الموجّه التربوي شديد اللهجة: «لا تقول أبحث !!اشتغل أي شيء.. مو بس تِعلِف وتنام.. وتأخذ مصروفك من أبوك مثل البنات!!» عندها شعرت بالحقد الشديد على الرجل.. كرهت المكان الذي جمعني بهذه الأشكال، وانصرفت من المجلس مبكراً.

قد تندلع من لسان شخص كلمة أو عبارة أو تعليق مثل الشرارة، تنم عن غياب ذوقه وانحدار أخلاقه، كلمة أو عبارة واحدة.. قادرة على قلب مزاجك رأساً على عقب، والشعور بالضيق وتغيير نظرتك إليه، ورغبتك العارمة في أن لا تلتقي به مجدداً. المسألة ليست لها صلة بالمال ولا الجاه ولا المنصب، ولا الشكل، ولا الشهادات.. إنما بالشعور بالراحة والانجذاب والاطمئنان والرغبة في التواصل مع الشخص الذي يتحلى بأخلاق فاضلة وذوق رفيع لا يُشترى بملايين الدنيا... الذوق الرفيع والأخلاق النبيلة وحدها التي أسرت قلوب الخلائق من كل حدب وصوب في التفافهم حول سيد الأخلاق رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».